نقد سينمائي مع الكاتب والمخرج رفقي عساف (2):

نقد سينمائي
نقد سينمائي
أخضر يابس.
أخيراً شاهدت فيلم محمد حماد “أخضر يابس”..
من أفضل الأفلام المصرية التي شاهدتها وأنضجها سينمائياً.. فيلم حزين.. عن الروتين واليومية.. والعادية والعاديين.. وقاع المدينة بسكانه المسحوقين.. بلغة بصرية خشنة متمكنة متماهية تماماً مع الحدث والمكان.. وأسلوبية مخرج وبصمته الواضحة في هذه اللغة.. وإدارة تصوير استطاعت أن تترجم هذه اللغة كأفضل ما يكون..
حيث لجأ مدير التصوير “محمد الشرقاوي” إلى التباين الحاد بين الضوء والظل low key وإلى أسلوب إضاءة الdark side أي التركيز على الجزء المعتم من الوجه في كثير من لقطات الفيلم.. مما أضفى مزيداً من الثقل والكآبة المتسقة مع طبيعة الفيلم وكآبته..
إدارة ممثلين جيدة وإن لم ترق إلى مستوى بقية العناصر إلا في الدور الرئيسي الذي لعبته “هبة علي”.. شريط الصوت الذي صممته “سارة قدوري” التي لفتت انتباهي في أكثر من فيلم مؤخراً.. وقام بالمكساج له “ستيفان دي رو كويني” من أجمل ما في الفيلم.. المدهش في “أخضر يابس” أنه ذكرني بأساليب كثير من المخرجين العظماء في عالم السينما.. دون أن يكون فيه تأثر واضح بواحد منهم على وجه الخصوص..
فتجد فيه شيئاً من روح كيارستامي.. وبعضاً من انجيلوبولوس.. ونفحة من محمد خان.. ولكنه في النهاية لا يقارب أحدهم ولا يتوه بينهم..بالإضافة إلى ذلك يحمل بصمة محمد حماد وفريقه.. وهذا أمر نادر في السينما العربية..

“The Killing of a Sacred Deer”

كنت مترددا في مشاهدة هذا الفيلم “The Killing of a Sacred Deer” أو”مقتل غزالة مقدسة”..
لأنني سمعت الكثير عن كم هو فيلم قاس ومزعج وموتر للأعصاب..
وذلك رغم أنني أحببت كثيراً فيلم يورغوس لانثيموس السابق له “The Lobster”.. استجمعت شجاعتي لأن لانثيموس من المخرجين الذين يجب مواصلة متابعتهم ودراسة ما يقدمون.. فيلم مجنون.. هذا أبسط ما يمكن أن يقال عن هذا الفيلم..
فيلم مريض يعالج ثيمة الانتقام بطريقة لم يعالجها بها أحد من قبل.. ودرس حقيقي في السهل االممتنع في الإخراج.. فلانثيموس يُخرج هذا الفيلم بنوعين فقط من اللقطات/العدسات.. وربما 3 تقنيات على وجه الدقة.. لقطات واسعة بعدسات واسعة (Wide Lenses) لا أظنها تجاوزت ال 24 مم بأي حال من الأحوال..
تاركاً دائماً فراغاً كبيراً في أعلى اللقطة.. ولقطات قريبة بعدسات (Tele) تتراوح ما بين ال70 مم وربما تصل ال200 مم بحسب اللقطة..
درس بصري كبير جداً إلى جانب الدرس الروائي ودرس في إدارة الممثلين بطريقة “التغريب” أو “التبريد” (فصل الممثل عن مشاعر الشخصية) وهي الطريقة التي اتبعتها أنا جزئياً في فيلمي المنعطف مع مراعاة ذائقة المشاهد العربي غير المعتاد عليها..
وبوضع تبرير درامي لا يرى لانثيموس على ما يبدو أنني كنت أحتاج إليه.. وربما معه حق.. الملفت كذلك أن لانثيموس يلجأ بالاضافة لحركة الكاميرا (للأمام حصراً في أغلب الحالات).. إلى تقنية الزووم القديمة نسبيا ويستخدمها في لحظات معينة ليجعل من اللقطة الملتقطة بعدسة قريبة أصلاً لقطة أقرب..
ويختار لذلك لحظات بعينها في الفيلم.. فيلم فلسفي عميق يستحق التوقف مطولاً.. وسينمائي خاص جداً يستحق المتابعة..
فيلم الملاك..

شاهدت فيلم الملاك.. الذي من المفترض أنه يروي قصة أشرف مروان.. صهر جمال عبد الناصر والذي من المفترض حسب الرواية الإسرائيلية (رواية الفيلم) كان عميلاً مزدوجاً بين إسرائيل ومصر وقدم معلومات للإسرائيليين..
حاولت التغاضي عن اللهجة المضحكة للممثلين غير العرب الذين يلعبون أدوار عربية.. وللهجة المصرية المغلوطة للممثلين المغاربة والعرب (باستثناء الممثلة الفلسطينية ميساء عبدالهادي التي كانت الإفضل في هذا الإطار).. وهذا يمكن التغاضي عنه كون الجمهور الغربي هو المستهدف..
ولكنني لم أستطع التغاضي عن مواصلة تصوير مصر في استوديوهات المغرب.. في كل الأفلام التي تتحدث عن مصر مؤخراً.. الغرب يواصل نظرته القاصرة لنا كشرق دون تفريق فني حقيقي بين الأنماط المعمارية والتصاميم الداخلية القاهرية المختلفة تماماً وكلياً عن تلك المغربية.. ناهيك طبعاً عن الملامح المصرية الغائبة عن الوجوه المغاربية.. وكعربي لم يكن هناك أي إقناع بأي من عناصر القصة فنياً.. ولا تاريخياً.. ولا اللهجة ولا الديكور ولا الشوارع ولا حتى السيارات.. بالطبع هم لا يأبهون بالمشاهد العربي..
فكله عند المشاهد الغربي ناس سمر البشرة يتحدثون اللغة العربية.. إذا وضعنا كل هذا جانباً.. فنحن أمام فيلم أقل من عادي.. لا جديد فيه.. ولا يرقى لمستوى حلقة تلفزيونية واحدة من مسلسل تشويق أو إثارة أو جاسوسية جيد..
رومانتيكا” (1996)

لم أكن شاهدت هذا الفيلم.. “رومانتيكا” (1996) سيناريو وإخراج زكي فطين عبد الوهاب..
وشاهدته اليوم على هامش بوست من عبد الوهاب شوقي.. ومستغرب جداً أن زكي فطين (ابن مدرسة يوسف شاهين وابن المخرج العظيم الآخر فطين عبدالوهاب) لم يواصل الإخراج بعد هذا الفيلم البديع.. فيلم غريب..
يلعب فيه الراحل ممدوح عبدالعليم دور شخصية مستوحاة من شخصية زكي فطين نفسه (ابن ليلى مراد في الواقع والفيلم).. فيلم يحكي أزمة حلم السينما لدى جيل صناع السينما في التسعينات.. برسم شخصيات عبثية جميلة.. وبطريقة مميزة هناك شبه إجماع مما قرأت أنها سبقت عصرها بكثير… وهو ما أتفق معه.. ويجعلني مستغرباً لماذا لم يواصل الرجل رحلته السينمائية كمخرج.. واكتفى بالتمثيل!!! ربما الفيلم نفسه يقدم إجابة على هذا السؤال..
هذه التغريدات تم تجميعها من منشورات عامة (من الصفحة الشخصية للكاتب والمخرج رفقي عساف )
الأستاذ رفقي عساف كاتب ومخرج للعديد من الأفلام ومدرب ومستشار في الهيئة الملكية لصناعة الأفلام في الأردن
نقد سينمائي
مقالات ذات صلة: