كيف تبدأ كتابة السيناريو وكم مرة تكتب ومن أين تبدأ ؟
كيف تبدأ كتابة السيناريو

Motivation
عندما وضعت سيناريو فيلم لا أزال أبحث عن تمويل له، عرضته على صديق فرنسي لأخذ رأيه. أعجبته الفكرة لكنه واجهني ببعض الملاحظات أهمها أنه لم يجد أن «بطلي» لديه الدافع الكافي لمساعدة شخص كان أوكل بقتله على الهرب.
الدافع مهم في الحياة ومهم في السينما أيضاً. لماذا على بطلي «الخوف» لسعيد مرزوق اللجوء إلى سلم بناية مهجورة وصعوده إلى الأدوار العليا؟
ولماذا على غلوريا العيش وحيدة في قصرها العتيق في «سنست بوليفارد»؟
ولماذا يصر بات غاريت على مطاردة صديقه السابق بيلي ذَ كِد لقتله؟ كلها دوافع يجب أن يجري التأكد من فاعليتها وتكوين أسباب موجبة ليس من بينها مثلاً «لأن بطلا «الخوف» ارادا الإحتماء من المطر» لأنه كان بمقدورهما الإحتماء منه في الطابق السفلي.
لكن في سيناريوهات معينة. في تلك التي تغلب فيها الشخصية على أسباب قيامها بأفعال معينة لأن ما يدفعها يبقى داخلياً محضاً ولأن الفيلم لو شرحها لخرج عن منحاه يمكن للدافع أن يبقى دفيناً (لكن عليه أن يكون موجوداً). ردّاً على ملاحظة الصديق كتبت:

يفتح المخرج جان-بيير ملفيل فيلمه «الساموراي» على ألان ديلون وهو وحيد في غرفته في الفندق قبل أن ينطلق لتنفيذ مهمة قتل. هل كان على ملفيل توفير دافع واضح قبل ذلك؟ لا.
السبب في أن ملفيل لم ير داعياً هو أن الدافع الوحيد لبطله هو أن القتل هو مهنته. لو أراد البحث عن تاريخ بطله لكان عليه أن يوفر دوافع لانتهاجه هذه المهنة في مطلعها… لكن هذا سينتج عنه فيلم آخر لا علاقة له بما حققه ملفيل ببراعة.
•• كيف تبدأ؟
المشكلة التي تواجه الكاتب الجديد هي كيف يبدأ السيناريو. ما هو المشهد الأول الذي عليه كتابته.
لكي تختار عليك أن تعرف ما الذي يستطيع المشهد الأول فعله بالنسبة للفيلم وبالتالي للمشاهدين.

في «الزوجة الثانية» لصلاح أبوسيف، يختار المخرج إلقاء نظرة على الريف المصري حيث ستقع الأحداث. هذا معمول به من قبل ومن بعد وكثيراً ما نراه في الأفلام الأميركية حيث تحلق الطائرة فوق مدينة نيويورك لكي تمنح المشاهد التحضير لدخول موقع الحدث.
لكن لنقل أن فيلمك ليس معنياً بالتحضير للمكان أولاً، ما هي البداية البديلة؟
لنقل أن لديك فكرة سيناريو لفيلم طريق وبطله رجل يقرر الرحيل بسيارته صباح يوم ما.
هل تستطيع أن تبدأ به وهو يحمّـل السيارة بحاجياته وحقائبه؟
الجواب: نعم تستطيع: لقطة خارجية لباب منزل يُفتح ويخرج منه بطلك حاملاً حقيبتين متوسطة وكبيرة. يصل إلى حيث سيارته. يفتح الصندوق الخلفي يضع الحقيبتين فيه. يغلق الصندوق. يتجه إلى باب القيادة. يفتحه. يجلس. يسوق.
ما تفعله هنا طبيعي. وارد وبسيط. ولأنه بسيط يتحمّل بعض التعقيد الذي سيؤدي إلى توظيف المشهد نفسه على صعيد أعلى. ها هو البديل:
لقطة قريبة متوسطة لباب منزل خارجي. يظهر بعد لحظات رجل في الأربعين يحمل حقيبتين. يضع واحدة على الأرض ليتسنى له إغلاق الباب. ينظر إلى السماء ذات الغيوم المتلبدة. يقف في موضعه للحظات ثم يتقدم صوب سيارته. يلقي نظرة على الشارع الخالي من المارة والسيارات ثم يضع الحقيبة الكبيرة في صندوق السيارة ويحتفظ بالصغيرة. يتجه إلى باب القيادة ويدلف إلى السيارة. يضع الحقيبة الصغيرة لجانبه. ينطلق.
الفارق هنا هو توفير أسئلة تبعد المشاهد عن الروتين الذي ورد في المشهد الأول. والأسئلة مهمّة: لا يبدو سعيداً. لماذا؟ السحاب يملأ السماء. لماذا اختار هذا اليوم؟ ينظر حوله: لماذا؟ يبقي حقيبته الصغيرة بجانبه…. لماذا؟
لاحظ إنه حين كتبت أن الباب يفتح ولا يظهر بطل الفيلم الا بعد لحظات قصدت منح المتفرج تلك اللحظات لكي يسأل نفسه من سيظهر من هذا الباب المفتوح.
لا تستعجل الإجابات… أتركها تدور في رأس المشاهد. إمنح بطلك حياة ولا تقدمه كوضع جاهز.
•• مرة واحدة لا تكفي
في الفيلم الشهير Once Upon a Time in the West

يبدأ الفيلم بوصول ثلاثة أشرار يدخلون مكتب عامل سكة حديد عجوز ويحتجزونه في خزنة ثم يتوزعون بإنتظار رجل رابع.
بعد تأسيس الموقع (صحراء، محطة قطار مع الصوت الملائم) يحرك سيرجيو ليوني الممثلين على النحو الموصوف. إذ يتوزعون في ثلاثة أماكن مختلفة (لكن متقاربة) يمنح كل منهم بعض الحركات التي تعكس شخصياتهم. هذا يضع ذبابة في ماسورة المسدس وذاك ينتظر تكوّم الماء في قبعته قبل أن يشربها بكل برودة… الخ.
المهم هنا هو أن النص لم يحاول إضافة أكثر من تلك اللمحات. لا يهم من أين جاؤوا بل لماذا؟ وهذه «اللماذا» ليس مهماً لها أن تفسر نفسها الآن. لا نسمع أحد يقول للآخر «كانت رحلة شاقة من الباسو إلى هنا» أو- بالتالي٠ إلى أين. لا يتحدثون في الواقع. رغم ذلك، وباختيار تلك الملامح القليلة تدرك أنهم 1 أشرار و2 هم قتلة محترفون.
ثم ها هو الرجل الرابع يصل وتكتشف إنه الرجل الذي يقود الفيلم أما هؤلاء الثلاثة فسيتساقطون سريعاً. انتهى أمرهم. تلك الدقائق فيلم كامل.
لاحظ كذلك أن السيناريو كان يستطيع أن يبدأ بالبطل وليس بالمجرمين.
المشهد الأول له وهو في القطار. مشهد للقطار وهو منطلق. مشهد ثالث له ربما كان يتظاهر بالنموم. يرفع حافة قبعته وينظر خارج النافذة وقد بدأ القطار يخفف سرعته.
ينزل منه. يجد القتلة بإنتظاره. طاخ طاخ… انتهت المقدمة.
المرجح أن السيناريو بدأ بالإحتمال الثاني (أقصد السيناريو الأول وليس النسخة اللاحقة له) لكن سيرجيو ليوني هو من استبدله. لأن البدء بالبطل في قطار ليس شعرياً ولا تمهيداً لشيء يقع في القطار. الأجدى هو الإختيار الذي تم تصويره.
هذا كله يؤكد مسألة مهمّة: حين تكتب لا تتخيل أن عليك أن تكتفي بما اخترت أو أن تعيد كتابته ثلاث أو أربع مرّات قبل أن توافق عليه. اكتبه واقرأه واعد كتابته وفي البال أنك ستعود إليه بعد حين لتعدله.
المشهد الأول هو لكي تضع عربتك على السكة بشكل مقبول. لاحقاً ستحركها تبعاً لما قد يتبلور معك لاحقاً.
للأسف معظم من يكتب السيناريوهات عندنا (سواء أكانوا مخرجين أو كتاب سيناريو فقط) يكتفون بالمرة الأولى وينتهي السيناريو من دون مراجعة فعالة.
هذا المقال مجمع من مقالات وبوستات على الصفحة الشخصية للناقد السينمائي والكاتب Mohammed Rouda
نهاية مقال كيف تبدأ كتابة السيناريو.